معجزة ماء زمزم
مقدمة
وصف النبي صلى الله عليه وسلم ماء بئر زمزم فقال:
(( إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ))
[مسلم عن عبادة بن الصامت في حديث طوبل]
وفي رواية عند البزار بسند صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه:
(( وَشِفَاءُ سُقْمٍ ))
[البزار بإسناد صحيح عن صفية]
وعن ابن جريج رحمه الله تعالى قال : سمعت أنه يقال :
(( خَيْرُ مَاءٍ فِي الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ ))
[الطبراني في الأوسط والكبير ، ورواته ثقاة]
نصوص وحقائق
نحن في بداية هذا اللقاء الطيب نورِد النصوص، ثم نأتي بعد النصوص بالحقائق العلمية التي تصدقها، النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث آخر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ))
يعني أنه متعدد الفوائد .
وفي حديث آخر عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما مرفوعًا:
(( فَإِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ الله، وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذاً بِهِ أَعَاذَكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ قَطَعَهُ اللهُ ))
وكأن شرب هذا الماء نوع من العبادة .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَالِسًا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنْ زَمْزَمَ، قَالَ: فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي؟ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا، وَتَضَلَّعْ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ رَسُولَ قَالَ :
(( إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ إِنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ ))
والتضلُّع أن تشرب ملء جوفك، وأن تبالغ في الشرب من هذا الماء، طبعاً من خلال هذه الأحاديث وكلام النبي، وكما تعلم كلامه أمر، فالنبي في عقيدة المسلم معصوم بمفرده، فكل أقواله وأفعالك وإقراره سنة، لأن الله عز وجل أمرنا أن نأخذ عنه كل شيء، فقال تعالى :
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
قول النبي، وفعله، وإقراره سنة، ينبغي أن تطبق، ذلك لأن الله عصمه من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، لو تخيل بعض المتوهمين أنه ليس بمعصوم لكان الأمر بالأخذ منه أمراً بمعصية، وهناك أناس كثيرون يتطلعون إلى أن نكتفي بالقرآن، وهم إذا قالوا ذلك فهم يخالفون نص القرآن، لأن الله أمرنا أن نأخذ عنه .
معنى كلمة التضلع
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ إِنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ ))
ما معنى هذه الكلمة، التضلُّع ؟
التضلع أن تشرب ملء جوفك من هذا الماء، وتبالغ في الشرب منه! هذا المعنى، على كلٍّ يوجد أدب في شرب ماء زمزم.
فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَالِسًا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنْ زَمْزَمَ، قَالَ: فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي؟ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا، وَتَضَلَّعْ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ رَسُولَ قَالَ :
(( إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ إِنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ ))
الحرص على التضلع
طبعاً تطبيقاً لهذه التوجيهات النبوية لقد حرص الصحابة الكرام والتابعون وكثير من العلماء والعوام على التضلع من ماء زمزم، ولاسيّما في الذهاب إلى الحج والعمرة، أي أنْ تملأ الضلوع منه مع استحضار نية معينة عند الشرب منه، لأن الدعاء مستحب عند الشرب من ماء زمزم، فزمزم لما شرب له وقد روي عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه أنه كان إذا شرِبَ ماءَ زمزمَ دعا فقال:
(( اللَّهُمَّ إِنَّي أَشْرَبُه لِظَمأِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))
وقد روي عن ابن عباس أنه كان إذا شرب ماء زمزم قال:
(( اللهم إني أَسْألُكَ عِلْماً نافعاً، ورِزْقاً وَاسِعاً، وشِفَاءً مِن كُلِّ دَاءٍ ))
وقد قال بعض العلماء:
(( مَاءُ زَمْزَمَ سَيِّدُ الْمِيَاهِ، وَأَشْرَفُهَا، وَأَجَلُّهَا قَدْراً، وَأَحَبُّهَا إِلَى النُّفُوسِ، وَأَغْلاَهَا ثَمَنًا، وأَنْفَسُهَا عِنْدَ النَّاسِ، وَهُو هَزْمَةُ جِبْرِيلَ، وَسُقْيَا اللهِ إِسْمَاعِيلَ ))
هذا ما جاء في السنة الصحيحة والحسنة، فماذا في العلم وتحليلاته الدقيقة عن ماء زمزم؟.
دراسة علمية عن زمزم
لعلنا دخلنا في صلب الموضوع، نحن بدأنا بالنصوص الصحيحة والحسنة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بماء زمزم .
أُجرِيَتْ في عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين، وعام ألف وتسعمائة وثمانين تحاليل كيميائية من قِبَل شركات عالمية عملاقة ومتخصصة، فكانت النتائج عجيبة، حيث إن مياه زمزم خالية تماماً من أي نوع من أنواع الجراثيم المسببة للتلوث! وتعد المياه معدنية، طبعاً هناك من يعجب بالمياه المعدنية، التعريف الدقيق للمياه المعدنية: وتعد المياه معدنية، ويتهافت الناس على شرائها إذا كانت نسبة أملاح المعادن فيها من مئة وخمسين إلى ثلاثمئة وخمسين مليغرامًا في اللتر، فهذه مياه معدنية تباع بالقوارير، أما مياه زمزم فتبلغ نسب المعادن فيها ألفي مليغرام في اللتر، ومن أبرز هذه الأملاح المعدنية الكالسيوم والصوديوم والمغنيزيوم والبوتاسيوم وغيرها .
الماء المبارك
حقائق كثيرة حول هذا الماء، سأوردها إن شاء الله .
يعد ماء زمزم من أغنى مياه العالم بعنصر الكالسيوم، إذ تبلغ نسبته فيه مئتي مليغرام في اللتر الواحد، لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:
(( إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ))
(( وَشِفَاءُ سُقْمٍ ))
تعلمون أن الإنسان يملك هيكلا عظميًّا فيه خاصة اسمها التجدد، الهدم والإنشاء، لو أن الإنسان أهمل في بعض خاصيته عنصر الكالسيوم يصاب هذا الهيكل بما يصاب الترقق، أو لينَ العظام وهو مرض خطير، لو أن عظم الحوض كُسر في إنسان سنه متقدمة لكان طامة كبرى .
فلذلك هذا الماء مبارك:
(( إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ))
حقائق ونسب وارقام
وقد دلت البحوث الحديثة الصحيحة أن أمراض شرايين القلب التاجية أقل حدوثاً عند الذين يشربون مثل هذه المياه، لقد صدق النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( وَشِفَاءُ سُقْمٍ ))
كل كلمة من أقوال النبي تعني حقيقة علمية توصل العلماء إليها في الوقت المتأخر، وتعد المياه غازية هاضمة إذا احتوت على ما يزيد على مئتين وخمسين مليغرامًا في اللتر الواحد من البيكربونات، ومن أشهر المياه الغازية في العالم مياه نبع ( إفيان ) في فرنسا، إذ تبلغ نسبة البيكربونات فيه ثلاثمئة وسبعة وخمسين مليغرامًا في اللتر .
الآن دقق: أما ماء زمزم فنسبة البيكربونات فيه ثلاثمئة وستة وستون مليغرامًا في اللتر الواحد فهو أعلى نسبة بيكربونات في مياه العالم، مياه زمزم، لقد صدق النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ))
دواء لكل داء
النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( وَشِفَاءُ سُقْمٍ ))
إذاً لا بد من أن نبحث عن الاستطبابات الدقيقة لهذه المياه .
بالمناسبة للنبي عليه الصلاة والسلام حديث شريف أراه من دلائل نبوة النبي، عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
إذا قرأ الحديث مريض يمتلئ قلبه أملاً بالله عز وجل ، وإذا قرأه طبيب يشعر بالتقصير!
(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ))
هناك مرض أسميه بوابة الخروج، هو لا دواء له، وهو مرض الموت، الإنسان كيف يخرج من الدنيا بمرض عضال يبدأ بجهة من جسمه ، ويتفاقم ، وقد يكون نبياً ، وعظيماً ، وولياً ، هذا مر ض الموت بوابة الخروج ، هذا المرض لا شفاء له ، أما ما سوى ذلك فإنه:
(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ))
إجابة عن سؤالك الكريم: يذكر بعض علماء الطب في كتاب طبع عام ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين أن المياه المعدنية تفيد في علاج كثير من أمراض الروماتيزم، وزيادة حموضة المعدة والإسهال المزمن، وعسر الهضم، وهي ذات تأثير مدرّ، ومليّن، ومرمِّم لنقص المعادن في الجسم، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:
(( فَإِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ الله ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذاً بِهِ أَعَاذَكَ اللهُ ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ قَطَعَهُ اللهُ ))
ماء شربة عبادة
لكن لماذا يعدّ شرب هذا الماء عبادة؟ إنه مالح نوع ما، الإنسان يتوقُ لشرب الماء العذب الزلال، في هذا الماء بعض الملوحة، لذلك ماء زمزم ليس عذباً حلواً، بل يميل إلى الملوحة، وإن الإنسان لا يشرب من هذا الماء الذي يميل للملوحة إلا إيماناً بما فيه من البركة، فيكون التضلع منه دليلاً على الإيمان .
قصة شهيرة عن ماء زمزم
هناك قصة شهيرة جداً، أن مدرسة تقيم في باريس من أصل مغربي، أصيبت بورم خبيث في دماغها، وقد أنبأها طبيبها المتخصص أنه بقي لها في الحياة أسابيع، فاختارت أن تذهب إلى الديار المقدسة لتختم عمرها بعمرة في بيت الله الحرام، فشربت من ماء زمزم شرباً غير معقول، فكان الشفاء التام، وعادت إلى فرنسا، والتقت بطبيبها، وأخبرته بما حصل، وألَّفت قصّة شهيرة جداً، حيث ذكرت كيف أن الله شفاها بهذا الماء الذي جعله في بيته الحرام .
توافق الماضي مع الحاضر
النبي عليه الصلاة والسلام حينما أنبأنا بهذه الحقائق التي تطابقت تطابقاً تاماً مع البحوث العلمية الحديثة، ما المؤسسات العلمية العالية التي كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والتي أعطته هذه الحقائق المدهشة عن ماء زمزم ؟ وما هي الهيئات البحوث المتخصصة التي توصلت لهذه النتائج عن ماء زمزم؟ وما نوع المخابر العملاقة التي حللت، واستنتجت نسب أملاح المعادن في ماء زمزم بدقة بالغة، والتي اعتمد عليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المبارك؟ إنه الوحي!.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
وأنا أميل لأن أسمي هذه التوافقات العجيبة بين أقواله قبل ألف وأربعمئة عام وبين معطيات العلم الحديثة، هذا التوافق يمكن أن يندرج تحت دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
حينما آتي بآية قرآنية وحقيقة علمية قطعية واضحة جداً تتطابق معها تطابقًا عفويًّا وتامًّا أقول: هذا من إعجاز القرآن الكريم، أما إن رأيت حديثاً شريفاً يتوافق توافقاً تاماً مع معطيات العلم أميل إلى أن أفرق بين الإعجاز العلمي، وبين دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكون هذا اللقاء الطيب تحت عنوان من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .
الخاتمة
في نهاية هذه الحلقة، وما دمنا تحدثنا عن ماء زمزم نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسقينا وإياكم من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يسقينا في دنيانا من هذه الماء التي ظهرت في الصحراء لسيدنا إسماعيل عليه السلام ، وما زلنا نشرب منها حتى الآن .
إخوة الإيمان والإسلام، إلى حلقة قادمة.
للدكتور : محمد راتب النابلسي
http://www.nabulsi.com
إرسال تعليق