الإعجاز العلمي | واهميتة مع غير المسلمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين القائل صلى الله عليه وسلم:
«بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ ولا حَرَجَ»(1)
والقائل صلى الله عليه وسلم: «ما من الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إلا أُعْطِيَ من الْآيَاتِ ما مِثْلُهُ أُومِنَ أو آمَنَ عليه الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كان الذي أوتيته وَحْيًا أَوْحَاهُ الله إلي فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يوم الْقِيَامَةِ»(2)
وبعد فالإعجاز العلمي لا تقتصر أهميته على المسلمين بل يتعدى ذلك إلى غير المسلمين؛ لأن الإعجاز العلمي هو أهم وأول وسيلة يدعى عن طريقها غير المسلمين في عصرنا خصوصاً أهل العلوم الكونية؛ للأسباب التالية:
أن العلوم التجريبية هي طريقة أهل عصرنا الموثوقة لمعرفة الحقائق:
استخدم العلماء العرب المسلمون هذا المنهج في الكيمياء والفيزياء والفلك والطب، وبصورة ما في الرياضيات، وقد تنبهوا إلى أنّ مستخدمه يجب أنْ يكون مؤهلاً على الصعيد النظري، فهذه المرحلة ضرورية تمثل شرطاً ضرورياً، وفي ضوئها يتم تحديد المشكلة، ثم تأتي مرحلة الملاحظة المباشرة للظاهرة، وجمع المعلومات عنها بواسطة الحواس، واستخدام الآلات والأدوات المختلفة.
ثم يقوم العقل استناداً إلى هذه المادة الخام بتكوين فرضيات لحل المشكلة، ويجب ألاّ يحكم على هذا الفرض بالصدق أو الكذب قبل امتحانه، ومن هنا تأتي التجربة للحسم في صدق هذا الفرض أو كذبه، وما يثبت بالتجربة فهو صادق، ويصبح بمرتبة القاعدة أو المبدأ أو القانون العام وقد طالبوا بتكرار التجارب حتى يثبت الأمر، وقد صرّحوا بأنّ هناك إمكانية لوقوع الباحث في الخطأ، وبينوا أنّ أسبابه قد تعود إلى الموضوع أو قصور الأدوات المستخدمة أو الذات الفاعلة، وقد طبقوه بنجاح في فروع العلم التجريبي.
وصحيح أنّ هذا المنهج له جذور في التراث السابق، لكن يعود الفضل إلى العرب المسلمين في إعادة الاعتبار إليه، وقد ركزوا بصورة خاصة على ما يلي:
أ- أن التجربة هي المعيار الذي نلجأ إليه لحسم صدق القضايا العلمية الاختبارية، وقد أطلقوا عليها ألفاظاً مختلفة، مثل: الاعتبار أو الامتحان عند ابن الهيثم أو التدبير كما هو الحال عند جابر بن حيان، ولم يكتف العلماء العرب المسلمون بالتجربة الواحدة، وإنما ذهبوا إلى ضرورة التكرار بغية المزيد من التحوط في الحكم، وما أثبتته التجربة عندهم يرتقي إلى مستوى القانون العام وفي علم الفلك لعبت الملاحظة العلمية دوراً حاسماً في غياب إمكانية التجارب الدقيقة، ودعموا ذلك بأجهزة كثيرة تحسن أدوات الملاحظة.
ب- استخدم العلماء العرب المسلمون الأدوات والآلات المختلفة في تجاربهم وكانوا حريصين على تقديم وصف نظري لها، ولطرق عملها وتطويرها باستمرار ومن هنا نجد التقدم الكبير الذي شهده علم الفلك بدءاً من مرصد المأمون إلى مرصد أولوغ بك وهذا ما نجده مع ابن الهيثم في البصريات، أو مع أدوات الجراحة عند الزهراوي(3).
وبعد الصراع الذي حصل في بلاد أوربا بين الدين المحرف مع العلم وخروج الدين المحرف من المعركة منهزماً تُبني القانون التجريبي في تلك البلاد، ثم تُبني في العالم كله وبنيت له الجامعات والمؤسسات والمراكز والمدارس، ويسمى في عصرنا قانون المعرفة العلمية: التجربة + الملاحظة+الاستنتاج( الحقيقة العلمية
ج- إن هذه العلوم الحديثة جاءت مصدقة لما في الكتاب والسنة، فأسرت بأبحاثها عقول العلماء والمفكرين المنصفين؛ لأن قبولهم بنتائج العلوم التجريبية وقبولهم بشهاداته ومقرراته يلزمهم بقبول الإعجاز العلمي، والدليل على هذا إسلام الكثير من الطبقات المثقفة بعد إطلاعهم(4) على ما في القرآن الكريم والسنة النبوية والتي تشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بصدق الرسالة قال تعالى:
﴿لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ [النساء: 166].
إن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم متنوعة لتنوع الأقوام المرسل إليهم:
فهنالك بينات تناسب العرب الفصحاء البلغاء أكثر من غيرها، وهنالك بينات تناسب أهل الأديان في الزمن السابق، وبينات كثيرة منها في عصرنا الحاضر الأبحاث العلمية بما تحويه من أخبار وأسرار والتي تناسب أصحاب الأبحاث والمدارس والجامعات، فهي تناسب العصور الماضية والحاضرة العربية وغيرها.
إذا سألنا اليهود: كيف آمنتم برسولكم موسى عليه السلام(5)؟
فإن قالوا: بسبب معجزاته، أو أخلاقه، أو تشريعه، أو تأييد الله له ونصرته، أو استجابة دعائه، أو عدم رغبته في المصلحة الذاتية، أو غير ذلك من الأدلة.
قلنا: كل ما ذكرتموه هو موجود في النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك النصارى نسألهم هل هم يؤمنون بنبوة موسى عليه السلام؟ فإن الجواب سيكون: نعم. قلنا: كيف استدللتم على نبوته؟ فإن قالوا: لأنه قد ذكره لنا عيسى.
قلنا: هل هناك دليل آخر؟.
إن قالوا: لا يوجد دليل آخر على نبوة موسى عليه السلام، قلنا: إذن أنتم صَحَّحْتم مذهب مَن كفر بموسى عليه السلام من قومه؛ حيث إن موسى عليه السلام لم يأت بدليل على رسالته، ولم ينزل عيسى عليه السلام في ذلك الوقت، وأثبتم لمن آمن به أنه آمن بغير بينة ولا علم ولا دليل، وأن رسالة موسى علقت عن التصحيح قرونا متطاولة حتى بعث الله عيسى عليه السلام.
فإن قالوا: نعم، هناك أدلة أخرى على رسالة موسى عليه السلام.
قلنا: كل دليل استدللتم به على نبوة موسى عليه السلام هو صالح لأن يكون دليلا للإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا فلا حجة لرجل لا يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن صدق الله إذ يقول: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 198] يعني ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل صدقه, ثم لا يبصرون كأنهم عميان.
فإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، فإنه أخبرنا أن هذا القرآن كلام الله عز وجل منزل من عنده سبحانه حقا، فحصل بهذا المراد، وهو إثبات أن القرآن من الله تعالى.
أن القرآن والسنة حث على العلم وعلى العلوم الكونية:
فأول آية نزلت على نبينا صلى الله عليه وسلم كانت اقرأ، وتعلم العلم وطلبه طريق من طرق الجنة، وامتن الله على آدم بتعليمه، وأمرنا بالنظر والتأمل في هذا الكون الفسيح قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[العنكبوت: 20] وقال ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [يونس: 101]:
- أنه طريق للرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على أن الدين الإسلامي هو دين العلم حقاً؛ حيث لم يستطع أحد أن يثبت وجود تعارض أي دلالة كونية واردة في القرآن الكريم قطعية مع ما استقر من الحقائق العلمية اليوم، بل على العكس كم من القضايا العلمية التي صححها القرآن لعلماء العلم التجريبي.
- المؤتمرات الدولية للإعجاز العلمي دليل على سبق القرآن الكريم والسنة النبوية، ومشاركة غير المسلمين في المؤتمرات تبعث الثقة بالبحوث المقدمة، وتجذب أبناء الطبقة المثقفة وعامة المسلمين المختصين بها.
إعداد الباحث: عبد الكريم علي الفهدي
3/ 10/ 2009م
مراجعة: د. قسطاس إبراهيم النعيمي
_______________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه،3/ 1275برقم: 3274.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه،6/ 6844 برقم: 6846.
(3) ملامح العقلانية العلمية في التراث العربي الإسلامي، محمد أحمد عواد،2.
(4) يمكن الإطلاع لكتاب إنه الحق للشيخ عبد المجيد عزيز الزنداني وفيه قصص عن إسلام بعض البروفسورات.
(5) الطعن في القرآن الكريم و الرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري، عبد المحسن بن زبن بن متعب المطيري عبد المحسن بن زبن بن متعب المطيري، 1/ 33.
إرسال تعليق